إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
42972 مشاهدة
باب ظلم دون ظلم

باب: ظلم دون ظلم. حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة ح. قال: وحدثني بشر قال: حدثنا محمد عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله لما نزلت الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ قال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أينا لم يظلم نفسه؟ فأنزل الله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .


الظلم: وضع الشيء في غير موضعه اللائق به. وهو من خصال الكفر من خصال الكفار؛ بمعنى: أن الظالم هو الذي يتعدى على غيره، سمى الله تعالى الكفر ظلما في قوله: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ لأنهم وضعوا الإيمان في غير موضعه، لم يؤمنوا الإيمان الواجب فصار الكفر ظلما.
وكذلك أيضا سمى الله الشرك ظلما في قوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فدل على أنه من أظلم الظلم؛ لأنه وضع للعبادة في غير موضعها؛ حيث وضع ذلك الشريك في موضع الخالق وجعل له شركا في العبادة.
وأما ظلم النفس فإنه أقل من الشرك، الإنسان يكون ظالما لنفسه ولا يخرجه ذلك عن الإيمان، في الحديث أن أبا بكر -رضي الله عنه- قال: علمني يا رسول الله دعاء أدعو به في صلاتي، فقال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت... إلى آخره كما هو معروف. أي: اعترف بأنك ظلمت نفسك. وظلم النفس لا يخرج الإنسان من الإيمان، فإن أبا بكر -رضي الله عنه- أقوى الصحابة أو من أقواهم إيمانا، ومع ذلك يعترف بأنه ظلم نفسه.
وكذلك ما ذكر الله عن يونس صاحب الحوت، اعترف وهو في بطن الحوت بقوله: أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ .
ومعلوم أن ظلمه لم يخرجه عن الكفر ولا عن الشرك، وإنما هرب لما غاضبه قومه ولم يؤمنوا، فاعترف بأنه من الظالمين ولم يكن ظلما يخرجه من الملة.
ولما نزلت هذه الآية الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ خاف الصحابة أن المراد ظلم النفس، أو ظلم بعضهم لبعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، أن هذا يصيرهم غير مهتدين ولا آمنين، فبين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الآية يراد بها الظلم الأكبر، الظلم الأكبر الذي هو الشرك بالله؛ لأنهم قالوا: هذه الآية نص في أنه لا يكون مهتديا آمنا إلا من ليس بظالم الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا أي: لم يخلطوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ يعني: بنوع من الظلم. ظنوا أنه يدخل في ذلك ظلم الإنسان نفسه بنقصه في حقها أو ظلمه لأخيه أو ظلمه لغيره، فالله تعالى لا يظلمهم.
وقد قال الله تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا سماهم مؤمنين مع كونهم يتقاتلون، وبكل حال فإن الظلم يتفاوت: ظلم دون ظلم؛ ظلم يخرج من الملة وهو الشرك أو الكفر وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ وظلم لا يخرج من الملة، ولكنه بلا شك ينقص الدين وينقص الإسلام، فكما أن الطاعات تزيد في الإيمان وتقويه، فكذلك المعاصي ولو كانت من الصغائر تنقص الإسلام وتضعفه، فلا يكون الإنسان كامل الإيمان إلا إذا كان مكملا لجميع خصال الخير وشعب الإيمان.